قصر العظم في دمشق: تاريخه وأبرز تفاصيله المعمارية وقاعاته

11 يوليو 2024
قصر العظم في دمشق: تاريخه وأبرز تفاصيله المعمارية وقاعاته

موقع ومساحة قصر العظم

قصر العظم يُعتبر أكبر وأقدم مسكن خاص في دمشق الذي تم الحفاظ عليه بشكل كامل، حيث تبلغ مساحته حوالي 5500 متر مربع. يُعتبر هذا القصر نموذجًا بارزًا للمنازل التقليدية في دمشق، حيث يتميز بمظهر خارجي بسيط وأثاث داخلي مذهل.

تم اختيار موقع القصر بعناية فائقة للاستفادة من الفوائد الاقتصادية والتأثير السياسي المترتب على وجوده بالقرب من سوقين رئيسيين في المدينة: سوق مدحت باشا وسوق البرزوية. يقع القصر في نقطة استراتيجية بين الجامع الأموي وشارع مدحت باشا، والتي كانت مسارًا رئيسيًا للقوافل التجارية في تلك الفترة.

ويعتقد المؤرخون أن القصر قد بُني على أنقاض “القصر الذهبي” الذي كان لحاكم دمشق المملوكي تينكيز، والذي دمره الغزو المغولي بقيادة تيمورلنك في العام 1401. كما يُعتقد أن القصر الذهبي نفسه قد بُني فوق أنقاض “القصر الأخضر” للخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان عام 680. ويعود تاريخ الموقع إلى العصور القديمة حيث يعتقد أن القصر يقع فوق آثار بيزنطية ورومانية وهلنستية وفارسية وآرامية قديمة.

تاريخ قصر العظم

قصر العظم من 1749م وحتى 1920م

بدأ بناء قصر العظم في عام 1749م على يد حاكم دمشق العثماني أسعد العظم، الذي كان من عائلة سورية حكمت دمشق لمدة جيلين. تم بناء القصر باستخدام أموال عائلته، وقد استغرق البناء عامين وشارك فيه أكثر من 800 عامل. وقد تسبب هذا في ندرة في عدد العمال والمواد البنائية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى انقطاع إمدادات المياه في المدينة نتيجة توجيهها نحو القصر.

زار الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني القصر أثناء جولته في دمشق عام 1898م، حيث شهد القصر واحتفظت الذكريات بهذه الزيارة في تاريخه.

من 1920م وحتى 1946م

ظل القصر مملوكًا لعائلة العظم حتى عام 1920م، عندما تم بيعه للفرنسيين مقابل 4000 جنيه ذهب. أثناء فترة الاحتلال الفرنسي، أقام المندوب السامي الفرنسي في القصر. في عام 1925م، تعرض القصر لأضرار جسيمة جراء القصف المدفعي الفرنسي خلال الثورة السورية، مما أدى إلى حرق وتدمير جزء كبير منه.

بعد انتهاء الثورة، بدأت الحكومة الفرنسية في إعادة بناء القصر. قام المهندسان المعماريان لوسيان كافرو وميشيل إيكوشار بأعمال الترميم على الفور. وبعد إعادة البناء، استخدمت الحكومة الفرنسية القصر كمقر للمعهد الفرنسي، حيث قام ميشيل إيكوشار بتصميم منزل جديد لمدير المعهد.

من 1946م وحتى الآن

بعد استقلال سوريا عام 1946م، تم حل المعهد الفرنسي وإخلاء المبنى وإعادته لعائلة العظم. في عام 1951م، اشترته الحكومة السورية مقابل 100 ألف ليرة، وتم تحويله إلى متحف للفنون والتقاليد الشعبية. تم تعيين شفيق إمام مديرًا للمتحف، وافتتح المتحف أبوابه في عام 1954م. حصل القصر على جائزة الآغا خان للعمارة في عام 1983م.

التفاصيل المعمارية للقصر

قصر العظم هو المقر الوحيد المتبقي لحكام دمشق القدامى. يُقال إن ممثلي أسعد باشا قاموا بجولات واسعة في دمشق والبصرى والشام بحثًا عن الروائع والتحف الفنية لتزيين القصر بها، بما في ذلك الأعمدة الرمانية التي تم جلبها من البصرى. استُخدم في بناء هذا القصر عدة أنواع من الحجارة مثل الحجر الجيري، والحجر الرملي، والبازلت، والرخام. يُعتبر القصر مثالًا حيًا للعمارة الدمشقية بفضل استخدامه للأبلق، أي استخدام الحجر الجيري الأبيض والبازلت الأسود بالتناوب.

تم تزيين النوافذ بأعمال شبكية حجرية مزخرفة، واستخدمت الأقواس والأعمدة لزخرفة أفنية القصر، حيث تتوسط الأفنية نوافير مركزية بتصاميم مبلطة بالرخام والحجارة. فيما يتعلق بالغرف الداخلية للقصر، استُخدم بلاط أصغر حجمًا مع تصاميم هندسية معقدة، وتم تغطية الأسقف المركزية بأعمال خشبية منحوتة مزينة بتصميمات نباتية وهندسية.

وفقًا للسجلات التاريخية، تم استخدام أكثر من 1000 شجرة لبناء القصر، وخصوصًا استخدم خشب الحور لبناء السقف متعدد الطبقات. كما استُخدم الجص والسنط لإنشاء أسقف زخرفية منقوشة تعرف باسم “العجمي”. تتميز قاعة الاستقبال بسقف مزخرف شديد الفخامة، إضافةً إلى الزخارف الرخامية الفاخرة والنوافير، التي كانت تستخدم لاستقبال ضيوف الوالي.

تضمنت الزخارف أيضًا استخدام الخط العربي في كتابة بعض الآيات القرآنية والنصوص الفلسفية والأشعار والأقوال، فيما غابت الزخارف الهلالية لأنها لم تكن مستخدمة في ذلك الوقت.

تقسيم قصر العظم من الداخل

قصر العظم يتكون من عدة أبنية وثلاثة أجنحة رئيسية:

  1. الجناح العائلي أو الحرملك:
    • يحتوي على المساكن الخاصة بالعائلة.
    • يتضمن الحمامات، والتي تعد نسخة طبق الأصل من الحمامات العامة في المدينة ولكن بنطاق ومساحة أصغر.
    • يتكون من طابقين ويحتل حوالي ثلثي مساحة القصر.
    • يُستخدم الطابق الثاني للنوم في فصل الشتاء للاستفادة من الحرارة المخزنة من أشعة الشمس.
    • يتضمن حمامًا فاخرًا مع قبة مثقبة تسمح بدخول الضوء.
  2. السالملك:
    • هو المنطقة العامة المخصصة للضيوف.
    • يتضمن القاعات الرسمية ومناطق الاستقبال، وساحات خاصة للترفيه.
  3. الخدملك:
    • يقع في الجزء الشمالي من القصر.
    • يتضمن الأماكن المخصصة للخدم ومركز أنشطة التدبير المنزلي.

هذه التقسيمات تبرز تنوع استخدامات القصر وتوزيع الفضاءات بين الأماكن الخاصة والعامة ومناطق الخدمة، مما يعكس هيكلية الحياة العائلية والاجتماعية في العمارة التقليدية في دمشق.

معالم وجماليات القصر

من القاعات المهمة في قصر العظم في دمشق:

  • قاعة الاستقبال الرئيسية: تقع بالقرب من الحمامات، وتمتاز بأرضيات رخامية فاخرة.
  • النوافير المائية: تزين باحات وحدائق القصر، حيث تستخدم للتزيين وزخرفة المكان وأحيانًا لتبريد الإيوانات وتوفير المياه لغرف الاستقبال والحمامات. بعض النوافير تم تصميمها بقنوات دائرية توضع فيها بتلات الورد لإصدار رائحة زكية مع تدفق المياه.
  • الحدائق والأشجار: تشكل الحدائق جزءًا أساسيًا من بنية القصور في دمشق، وتعتبر مساحات منفصلة بين الممرات والساحات، حيث يفضل الدمشقيون الأشجار المثمرة مثل الليمون والبرتقال والبرتقال المر، إضافة إلى الأشجار والشجيرات العطرية مثل السرو والياسمين، والأعشاب الطبية والعطرية الأخرى.
  • الحمامات: تعد الحمامات جزءًا بارزًا من هيكل القصر، مكونة من سلسلة من الغرف الصغيرة والممرات الضيقة التي تؤدي إلى غرفة البخار الرئيسية في قلب المبنى.

هذه المعالم تبرز جمال وتنوع العمارة التقليدية الدمشقية في قصر العظم، الذي يجمع بين الفخامة والوظائف العملية التي تلبي احتياجات السكان وضيوف القصر على مر العصور.

قاعات متحف قصر العظم في دمشق اليوم

بعد تحوله إلى متحف، أصبح قصر العظم في دمشق يتضمن عددًا من القاعات التي تبرز تفاصيل التراث السوري، وتشمل:

  • قاعة الكتابة.
  • قاعة التدريس.
  • قاعة الاستقبال.
  • قاعة الآلات الموسيقية الشرقية.
  • قاعة الصدف.
  • قاعة العروس.
  • قاعة الحماية.
  • قاعة الملك فيصل.
  • قاعة الحج.
  • قاعة المقهى الشعبي.
  • قاعة السلاح.
  • قاعة الحمام.
  • القاعة الكبرى.
  • قاعة الجلديات.
  • قاعة النسيج.
  • قاعة النحاس.

قصر العظم كجزء من مشروع Anqa

تم توثيق القصر كجزء من مشروع ، الذي يعد تعاونًا بين المجلس الدولي للآثار والمواقع، جامعة كارلتون، ومنظمة CyArk، وبتمويل من مؤسسة أركاديا في المملكة المتحدة. بدأ المشروع في عام 2015 كاستجابة للخسارة الكارثية التي لحقت بالتراث في الشرق الأوسط، ويهدف إلى حماية المعالم الأثرية بتوفير تدريب على تقنيات الحفظ الرقمي للمتخصصين بالتراث المحلي في المنطقة. قدمت منظمة CyArk عدة دورات تدريبية وورش عمل في لبنان للمتخصصين في التراث السوري خلال عامي 2016 و2017 بالتعاون مع مكتب اليونسكو للحفاظ على التراث الثقافي السوري. تم توثيق القصر من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية في عام 2017 باستخدام المسح التصويري وتقنية الليدار LiDAR.Anqa

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى