محتويات
نبذة تاريخية عن النبيذ
عرف الإنسان النبيذ منذ أكثر من 8000 عام، حيث اكتشف علماء الآثار جرة قديمة في الصين يعود تاريخها إلى حوالي 6000 عام قبل الميلاد. هذه الجرة كانت تحتوي على بقايا نبيذ مصنوع من العسل والأرز والفواكه، وقد كانت عملية التخمير جزءًا أساسيًا من تحضيره.
في عهد الإمبراطورية اليونانية، أصبح النبيذ مشروبًا مفضلًا بين النخبة من الأمراء والملوك. ومع توسع نفوذ الإمبراطورية الرومانية وسيطرتها على العالم، انتشرت صناعة النبيذ على نطاق واسع في جميع أنحاء الإمبراطورية. خلال هذه الفترة، كان استخدام النبيذ شائعًا ليس فقط كشراب ممتع، ولكن أيضًا كبديل لمياه الشرب التي كانت تعاني من ندرة في بعض المناطق، مما جعل النبيذ جزءًا لا يتجزأ من الوجبات اليومية.
في القرن السادس عشر، انتشر استخدام النبيذ بشكل أكبر، خاصة النبيذ المصنع من الكروم الفرنسي الذي أصبح الأكثر شهرة على مستوى العالم. لكن في وقت لاحق، ظهرت آفة جديدة تهدد الكروم الفرنسي، حيث كانت تقوم هذه الآفة بامتصاص العصارة من العنب، مما أدى إلى تراجع إنتاج النبيذ الفرنسي. لذلك، تم استبدال الكروم الفرنسي بالكروم الأمريكي الذي كان مقاومًا لهذه الآفة. ومن هنا، ظهرت أنواع جديدة من النبيذ بفضل استخدام الكروم الأمريكي.
شهدت صناعة النبيذ خلال الـ150 سنة الماضية تطورًا كبيرًا وملحوظًا، ويرجع الفضل في هذا التطور إلى التقنيات الحديثة التي تم إدخالها في عمليات الحصاد والزراعة. هذا التقدم سمح للمزارعين بتوسيع نطاق زراعة الكروم إلى مناطق جديدة، بما في ذلك استخدام الصوبات الزراعية التي مكّنت من زراعة الكروم في المناطق الحارة. كما أن تطور تقنيات التبريد لعب دورًا كبيرًا في تحسين التحكم في عملية التخمير، مما ساهم في إنتاج نبيذ عالي الجودة.
الخمر في الاسلام والمسيحية
يُعتبر موضوع شرب الخمر من القضايا الجدلية في الأديان الإبراهيمية بشكل عام. وسوف نستعرض في الفقرات التالية ما ورد بشأن الخمر في الإسلام والمسيحية بشكل موجز.
الخمر في المسيحية
تناول الكتاب المقدس قضية الخمر والسكر الناتج عن الإفراط في شربها بشكل متكرر. ففي العهد القديم (التوراة)، نجد توجيهات صارمة ضد تناول الخمر بكثرة، خاصة من قِبل الملوك والقادة، وذلك لأن السكر قد يؤثر على قدرتهم على الحكم بالعدل. ورد في سفر الأمثال: “ليس للملوك أن يشربوا خمرا، ولا للعظماء المسكر. لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة” (أمثال 31: 4-5).
وفي العهد الجديد (الإنجيل)، نجد أيضًا تحذيرات من الإفراط في شرب الخمر، حيث ذُكر: “ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح” (أفسس 5: 18)، في إشارة إلى الروح القدس الذي يغني المؤمنين عن اللجوء إلى الخمر لتحقيق النشوة.
من هذا نستنتج أن الإنجيل لم يحرم شرب الخمر تمامًا، بل حذر من الإفراط في تناولها حتى الوصول إلى حالة السكر، لأن الاعتياد على شرب الخمر قد يؤدي إلى الإدمان، بما لذلك من آثار سلبية على الإنسان وصحته والمجتمع من حوله.
من أقوال الأنبا تكلا هيمانوت: “إن المؤمن الذي قبل المسيح في قلبه لا يحتاج إلى نشوة الخمر لأن الله يملأ قلبه بالفرح الحقيقي”.
(المصدر: موقع الأنبا تكلا هيمانوت – تراث الكنيسة القبطية الأرثوذكسية)
الخمر في الإسلام
ورد في القرآن الكريم تحريم شرب الخمر بشكل واضح. ففي البداية، ذكر القرآن أن الخمر تحتوي على منافع وأضرار، لكن الأضرار تفوق بكثير منافعها. يقول الله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا” (البقرة: 219).
وفي مرحلة لاحقة، جاء تحريم الخمر بشكل قاطع، حيث قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة: 90).
هذا التحريم جاء نتيجة لما يسببه شرب الخمر من أضرار جسيمة على صحة الإنسان والمجتمع، رغم أن القرآن أقر بوجود بعض المنافع للخمر، وإن كانت قليلة مقارنة بأضرارها.
في الفقرات التالية، سوف نستعرض منافع أو فوائد الخمر، وتحديدًا النبيذ، بناءً على الأبحاث والدراسات الحديثة.
ما هي فوائد النبيذ
هناك مقولة شهيرة للطبيب باراسيلسوس، الذي عاش في العصور الوسطى، حيث قال إن النبيذ يمكن أن يكون غذاءً ودواءً وسمًا قاتلًا، والآن دعونا نستعرض فوائد النبيذ المختلفة:
- تحسين الدورة الدموية: يلعب النبيذ دورًا فعالًا في دعم وظائف الدورة الدموية، حيث يعزز صحة الأوعية والشرايين، مما يسهم في تحسين تدفق الدم إلى القلب.
- خفض ضغط الدم: يساعد النبيذ في تقليل ضغط الدم، مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب وبالتالي يقلل من معدلات الوفاة المرتبطة بهذه الأمراض.
- تحسين مستويات الكوليسترول: يحتوي النبيذ على مركبات تساعد على زيادة نسبة الكوليسترول النافع (HDL) في الدم، الذي يُعتبر ضروريًا للحفاظ على صحة القلب.
- مضادات الأكسدة: النبيذ غني بمضادات الأكسدة التي تحافظ على صحة الجهاز الهضمي، مما يساهم في تقليل الالتهابات وتحسين الهضم.
- الوقاية من الاضطرابات العصبية: تشير بعض الدراسات إلى أن النبيذ الأحمر يمكن أن يخفف من الاضطرابات العصبية المرتبطة بمرض الزهايمر.
- تنظيم مستويات السكر في الدم: تحتوي النبيذ على مادة الريسفيراترول، التي تساعد في تقليل خطر الإصابة بمرض السكري عند تناول جرعات بسيطة بانتظام.
- تحسين الحالة المزاجية: يساعد النبيذ في تغيير وتحسين الحالة المزاجية، مما يقلل من التوتر النفسي والاضطرابات العصبية.
- زيادة الشهية: يُنصح بتناول النبيذ للأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية، حيث يمكن أن يساعد في زيادة الوزن.
- تحفيز النشاط الجنسي: يحتوي النبيذ على مادة الفلافونويد، التي تُعرف بتأثيرها المحفز على الرغبة الجنسية.
- مضادات الأكسدة النباتية: يحتوي النبيذ أيضًا على أصباغ نباتية تعمل كمضادات للأكسدة، والتي تساعد في الوقاية من بعض أنواع الحساسية والمواد المسرطنة.
النبيذ، إذا تم تناوله بكميات معتدلة، يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية على الصحة، ولكن من المهم التذكر أن الإفراط في تناوله قد يكون ضارًا.
أضرار النبيذ
- احمرار الجلد: شرب النبيذ قد يسبب احمرارًا في الجلد بسبب تمدد الأوعية الدموية.
- الفشل الكلوي: استهلاك الكحوليات بكميات كبيرة، بما في ذلك النبيذ، يمكن أن يسبب فشلًا كلويًا نتيجة للتأثيرات السامة على الكلى.
- زيادة الوزن: يعتبر النبيذ فاتحًا للشهية، مما قد يؤدي إلى تناول كميات كبيرة من الطعام وبالتالي اكتساب الوزن الزائد.
- التهابات المعدة والغثيان: تناول كميات كبيرة من النبيذ يمكن أن يسبب التهابات في المعدة والشعور بالغثيان.
- الجفاف: الإفراط في تناول النبيذ قد يؤدي إلى التقيؤ والإسهال، مما يسبب فقدان السوائل والأملاح الضرورية للجسم، وبالتالي يؤدي إلى الجفاف.
- أضرار الكبد: النبيذ يشكل خطرًا كبيرًا على الأشخاص الذين يعانون من نقص في إنزيمات الكبد، ويمكن أن يؤدي الإفراط في تناوله إلى تليف الكبد في مراحل متقدمة.
- تغير الحالة المزاجية: النبيذ قد يؤثر على الحالة المزاجية للشخص، حيث يلجأ البعض إليه كوسيلة للتخلص من التوتر. وهذا يمثل خطرًا حيث يمكن أن يتعود الشخص على تناول النبيذ كعلاج للتوتر، مما يؤدي إلى زيادة الكميات المستهلكة تدريجيًا والوصول إلى حالة إدمان على الكحول.
- خفض نسبة السكر في الدم: النبيذ يمكن أن يتسبب في انخفاض مستويات السكر في الدم، مما قد يؤدي إلى أعراض مثل التعرق الشديد، الارتعاش، الدوخة، وتشوش الرؤية، وفي الحالات الشديدة قد يؤدي إلى تلف دماغي.
- التهاب البنكرياس: البنكرياس مسؤول عن إفراز الإنزيمات الهاضمة وإطلاق الأنسولين الذي ينظم مستويات السكر في الدم. الإفراط في شرب النبيذ قد يؤدي إلى التهاب البنكرياس، مما يعطل وظائفه الحيوية ويؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة، الغثيان، وآلام في المعدة.
- زيادة خطر الإصابة بالسرطان: السيدات اللاتي يخلطن أنواعًا مختلفة من النبيذ خلال اليوم قد يزداد لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي، بينما قد يتعرض الرجال لخطر الإصابة بسرطان البروستاتا.
تلك هي بعض من الأضرار التي يمكن أن تصيب صحة الإنسان نتيجة تناول النبيذ بكثرة، مما يؤكد أهمية الاعتدال في استهلاك الكحوليات للحفاظ على الصحة العامة.