محتويات
مقدمة إلى نظرة التحليل النفسي للأحلام
اعتبر فرويد الأحلام تنبع من اللاوعي أو اللاشعور الذي هو مكمن الكبت والرغبات الدفينة. استخدم الأحلام في عملية التداعي الحر لعلاج مرضاه من الأمراض العصابية. أما يونغ فقد منح الأحلام أهمية أكبر من تلك التي نظر لها فرويد، حيث اعتبر اللاشعور أو ما يسمى بالعقل الباطن أو اللاوعي عالمًا لا يقل أهمية وحيوية عن عالم الوعي أو الأنا. بل واعتبره العالم الأوسع والأغنى بلا حدود، فكان اللاشعور بالنسبة له هو المرشد الكبير والصديق والناصح للوعي، وطريقة التواصل بينهما هي الأحلام.
الهدف من هذه المقدمة هو إبراز أهمية الأحلام كمرشد، موجه، ووسيلة لمعرفة الذات، وملهم للإبداع وحتى للتكهن والاستنتاج. وكما يقوم الوعي بالتوقع والاستنتاج، تعمل الأحلام أيضًا، لكن خزينها أكبر، مما يجعل تكهناتها غالبًا ما تتحقق حتى بعد سنوات.
الأحلام رسائل اللاوعي والكلُّ نيام!
الأحلام لا تحدث مصادفة، بل هي مترابطة مع أفكار ومشاكل العقل الواعي، أي مشاكل حياتنا اليومية. معظم الأحلام تتعلق بحوادث حدثت في اليومين أو الثلاثة الماضية، وتفسر لنا ما غاب عنا. فالعقل اللاواعي يدرك ويصور ويحتفظ بمعلومات أكثر بكثير مما يفعل الوعي. خزين الوعي يتضمن خمس إلى سبع معلومات حول الحدث، بينما يقوم اللاوعي بتخزين آلاف المعلومات عن نفس الحدث.
قد يتم كبت عواطفنا أو نظرتنا لأنفسنا في الوعي، لكن اللاوعي يدركها ويحفظها. وعندما يهدأ الوعي وينام، ينشط اللاوعي ويبدأ بإرسال رسائله الليلية، التي تختلف في الطريقة واللغة:
- طريقة الوعي: يفكر الوعي ويرتب أفكاره قبل الكلام ليكون منطقيًا مترابطًا، حيث توجد بداية ووسط ونهاية. أما اللاوعي فيفتح ملفات عديدة من الماضي والمستقبل، من أماكن قديمة ومتداخلة. وبالتالي، يمكن أن تكون الرسائل غير مفهومة وقد تبدو محيرة.
- لغة الأحلام: الأحلام لا تستخدم الكلمات كوسيلة للتواصل بل الصور، الرموز، والمشاعر. لذلك يجب التركيز على الرموز الكونية، الدينية، الشخصية والنفسية التي تحمل مفاتيح لفهم الحلم. تفسير هذه الرموز قد يختلف من شخص لآخر، ولكن هناك بعض الرموز الكونية التي تحمل معاني ثابتة.
بناءً على ذلك، يُعتبر الحالم هو الأفضل في تفسير أحلامه، شريطة أن يكون لديه إلمام بهذا الموضوع أو أن يكون المحلل على دراية جيدة بظروف الحالم وأفكاره.
فما هو الرمز وما علاقته بالأحلام؟
الحروف والكلمات هي إشارات وليست رموزًا. أما الرموز فهي المصطلح أو الصورة التي قد تكون مألوفة في حياتنا اليومية ولكنها تحمل معاني خاصة. هذه الرموز لها جانب باطني أوسع يصعب تحديده بدقة.
كان العالم كارل يونغ يقول لطلابه: “تعلَّموا أكثر ما تستطيعون عن الرموز، ثم انسوا ذلك كله حين تحللون حلمًا”. وهذا يعني أن تفسير الأحلام قد يختلف من شخص لآخر، لذلك يجب أن نكون منفتحين على معاني الرموز دون فرض تفسير ثابت.
بعض الملاحظات العامة عن الأحلام بقلم كارل يونغ في كتابه “الإنسان ورموزه”
- الرموز طبيعية وعفوية، ولم يبتكرها أحد. مهما حاول الشخص، فإنه لا يمكنه ابتكار رموز حقيقية، بل يبتكر إشارات مرتبطة بالتفكير الواعي.
- قد يحدث خطأ في التحليل إذا اختلف المحلل عن الحالم في الشخصية. لذلك، يجب أن يفكر المحلل في الحالم نفسه ويهتم بالحلم بدلاً من فرض فرضيات نظرية.
- إذا حلم شخصان بنفس الحلم ولكن أحدهما أكبر سنًا من الآخر، فإن تفسير الحلم سيكون مختلفًا نظرًا لاختلاف اهتمامات كل منهما.
- بعض الأحلام قد تكون لها جانب حدسي أو تكهني. أحيانًا يكون الحلم غير مفهوم تمامًا حتى تقع حادثة خارجية تفسره.
الختام…
نحن جميعًا نحلم، فكل كائن حي له عقل يحلم. الطفل يحلم، الأعمى يحلم، وقد لا يحلم بعض المرضى العقليين المضطربين جدًا. نحلم كل ليلة من أربعة إلى خمسة أحلام، وقد نتذكر منها الحلم الأخير أو الحلم الذي استيقظنا منه.
الأحلام مهمة حتى من الناحية الفيزيولوجية، حيث تعد تنفيسًا لمشاعرنا من الكبت والرغبات الدفينة، وتساعد في خلق التوازن للذهن. إذا منعنا الأحلام بطريقة ما، فقد تؤثر على تركيزنا، مزاجنا، نفسيتنا، وذاكرتنا، وقد تؤدي إلى الانهيار العصبي.