قصر دولما بهجة بإسطنبول؛ من أكبر القصور في دولة تركيا

موقع قصر دولما بهجة وتاريخه

يقع قصر دولما بهجة على ضفاف مضيق البوسفور في إسطنبول، وهو من بين أعظم القصور في تركيا، يشتهر بتاريخه العريق ومعماره الفاخر. في البداية، كان الموقع خليجًا طبيعيًا يستخدم لرسو الأسطول العثماني. لكن خلال القرن الثامن عشر، تم استصلاح الخليج تدريجيًا ليصبح بستانًا إمبراطوريًا، ما أدى إلى تسمية الموقع “دولما بهجة” والتي تعني “الحديقة المملوءة” باللغة التركية، حيث “دولما” تعني “مملوء” و”بهجة” تعني “حديقة”.

بناء القصر وتطوره

أوصى السلطان عبد المجيد الأول ببناء قصر دولما بهجة بين عامي 1843 و1856، إذ كان يبحث عن إقامة حديثة تليق بالمعايير الأوروبية الحديثة. عاش السلاطين العثمانيون سابقًا في قصر توبكابي، لكن عبد المجيد أراد بناء قصر جديد يعكس التطورات المعمارية والرفاهية الأوروبية، وذلك بعد أن شعر بأن توبكابي يفتقر إلى الأناقة والراحة مقارنة بالقصور الأوروبية. تم تصميم القصر الجديد من قبل المهندسين المعماريين جارافيت باليان وابنه نيغويوس باليان، بالإضافة إلى إيفانيس كلفا وهاك سعيد آغا.

تكاليف البناء

بلغت تكلفة بناء القصر حوالي 5 ملايين ليرة ذهبية عثمانية، ما يعادل اليوم حوالي 1.5 مليار دولار، أي حوالي خمس الإيرادات الضريبية السنوية للإمبراطورية العثمانية آنذاك. كان هذا الإنفاق الضخم على البناء سببًا في تفاقم الوضع المالي المتدهور للإمبراطورية، مما أدى في نهاية المطاف إلى تخلفها عن سداد ديونها العامة في أكتوبر 1875، مما أتاح للقوى الأوروبية الفرصة للسيطرة المالية على الإمبراطورية.

انتقال الملكية واستخدام القصر

بعد انتهاء فترة الحكم العثماني، نُقل القصر إلى ملكية الجمهورية التركية الناشئة في 3 مارس 1924. خلال الصيف، استخدمه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية وأول رئيس لها، كمنزل له. تُوفي أتاتورك في هذا القصر في 10 نوفمبر 1938، وقضى أيامه الأخيرة فيه تحت الرعاية الطبية. اليوم، يدير القصر الوطني القصر ويُعتبر موقعًا تاريخيًا هامًا.

عمارة القصر

تعد عمارة قصر دولما بهجة مزيجًا رائعًا من الأساليب الأوروبية الكلاسيكية والعثمانية التقليدية. يمتد القصر على مساحة 45000 متر مربع (حوالي 11.1 فدان)، ويحتوي على 285 غرفة، و46 صالة، و6 حمامات، و68 دورة مياه. يجمع التصميم بين عناصر من أنماط الباروك والروكوكو والكلاسيكية الجديدة، ما يعكس التأثير المتزايد للثقافة الأوروبية على الفن العثماني خلال فترة التنظيمات. يتميز القصر بترتيب أوروبي كلاسيكي ثنائي الجناحين، مع جناحين طليعيين جانبيين يفصل بينهما مجموعة طليعية كبيرة.

تخطيط القصر

يتألف القصر من جناحين رئيسيين، الجناح الجنوبي المعروف بـ Mabeyn-i Hümâyn أو Selamlık، وهو مخصص للأحياء العامة والتمثيل، والجناح الشمالي المعروف بـ Harem-i Hümâyn أو Harem، وهو مخصص للسكن الخاص بالسلطان وعائلته. تفصل بين الجناحين قاعة الاحتفالات الكبيرة Muayede Salonu، والتي تبلغ مساحتها 2000 متر مربع (22000 قدم مربع) وتعلوها قبة بارتفاع 36 مترًا (118 قدمًا).

الديكور الداخلي

يتميز قصر دولما بهجة بديكوره الفخم الذي يشمل الذهب والكريستال. تم استخدام 14 طنًا من الذهب لتلميع الأسقف، وأكثر من 100 كجم من الذهب لتزيين القصر، ما يعادل حوالي 6 ملايين دولار أمريكي. تضم قاعة الاحتفالات أكبر ثريا كريستالية بوهيمية في العالم، ويعتقد أنها كانت هدية من الملكة فيكتوريا. يحتوي القصر أيضًا على مجموعة كبيرة من الثريات الكريستالية البوهيمية والبكارات، ويشمل الدرج الكريستالي الشهير الذي يتخذ شكل حدوة حصان مزدوجة. استخدمت أحجار باهظة الثمن مثل رخام مرمرة في الزخرفة، ويضم القصر عددًا كبيرًا من سجاد قصر Hereke المصنوع في مصنع Hereke Imperial، بما في ذلك أكبر بساط Hereke في العالم.

اللوحات الفنية

يعرض قصر دولما بهجة مجموعة من 202 لوحة زيتية، منها 23 لوحة رسمها الفنان إيفان إيفازوفسكي الذي كان رسام البلاط أثناء إقامته في إسطنبول. تشمل المجموعة أيضًا لوحات لفنانين مثل جوستاف بولانجر، وجان ليون جيروم، ويوجين فرومنتين، وستانيسلاف شليبوفسكي، وفيليكس زيم، وغيرهم. كما يحتوي القصر على أعمال لفنانين أتراك مثل عثمان حمدي بك وخليل باشا.

تقنيات القصر

منذ البداية، تميز القصر بتقنيات حديثة، مثل إضاءة الغاز ودواليب المياه المستوردة من بريطانيا العظمى. في وقت لاحق، تم تركيب الكهرباء ونظام تدفئة مركزي ومصعد، ما جعله من بين القصور الأكثر تقدمًا من الناحية التقنية في ذلك الوقت.

غرف القصر

تبدأ زيارة القصر من قاعة مدهال، التي كانت تستخدم لاستقبال كبار المسؤولين والضيوف. تشمل الغرف الأخرى قاعة السكرتارية وغرفة أتاتورك حيث توفي مصطفى كمال أتاتورك. ويحتوي القصر أيضًا على الحريم، وهي منطقة مخصصة للسلطان وعائلته.

زيارة القصر

يمكن زيارة قصر دولما بهجة من الثلاثاء إلى الأحد من الساعة 9:00 صباحًا إلى الساعة 4:00 مساءً، وهو مغلق يوم الاثنين. تكلفة تذكرة الدخول 60 ليرة تركية (حوالي 9 يورو)، بينما تكلفة تذكرة الأطفال أقل من 18 سنة 20 ليرة تركية (حوالي 3 يورو). يمكن الوصول إلى القصر بسهولة باستخدام وسائل النقل العام، مثل الترام T1.

الفنادق القريبة